ديزني: من أسطورة الترفيه إلى فشل مدوٍ – ما الذي حدث؟
شركة ديزني، التي لطالما كانت مرادفًا للترفيه العائلي الآمن والممتع على مدى عقود، تمر في هذه الفترة بأزمة غير مسبوقة تهدد وجودها.
الشركة التي أبهرتنا جميعًا بأفلام كلاسيكية مثل “الأسد الملك”، “علاء الدين”، و”فروزن”، تجد نفسها اليوم في وضعٍ حرجٍ للغاية مع خسائر مالية ضخمة وأفلام غير ناجحة أثارت الجدل بدلًا من النجاح.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف وصلت ديزني، إحدى أعظم شركات الترفيه في العالم، إلى هذه النقطة؟ ما هي الأسباب الحقيقية خلف هذا السقوط المدوي؟
النجاح المبهر: عصر النهضة لديزني
بدأت ديزني مسيرتها في عام 1923 على يد والت ديزني، رجل ذو رؤية فنية فريدة. الهدف الأساسي كان تقديم محتوى ممتع ونظيف للأطفال، محتوى يغرس فيهم القيم الإيجابية من خلال شخصيات محبوبة مثل ميكي ماوس وبينوكيو.
في حقبة الثمانينات والتسعينات، شهدت ديزني ذروة نجاحها في ما يعرف بـ”عصر النهضة”، حيث قدمت أفلامًا مثل “الجميلة والوحش”، “الأسد الملك”، و”علاء الدين” التي حققت نجاحات ضخمة سواء من حيث الإيرادات أو التأثير الثقافي.
كانت هذه الأفلام تحتوي على قصص أخلاقية عميقة تغرس قيم الحب، الولاء، الشجاعة، والعائلة. فعلى سبيل المثال، علمنا فيلم “الأسد الملك” قيمة المسؤولية والشجاعة، بينما تناول “علاء الدين” موضوع الصداقة والإخلاص.
كان هذا النجاح نابعًا من جودة الأفلام، والنصوص القوية، والرسائل الأخلاقية التي تتناسب مع توقعات الجمهور العائلي.
بداية التحول: الاستحواذات الكبرى
مع بداية الألفية الجديدة، بدأت ديزني تواجه منافسة شرسة من شركات أخرى مثل “بيكسار” و”دريم ووركس”، وهما شركتان برزتا في مجال الرسوم المتحركة.
لإبقاء نفسها في الصدارة، قررت ديزني الاستحواذ على شركة “بيكسار” في عام 2006 بصفقة بلغت 7.4 مليار دولار. هذه الخطوة كانت ضرورية لأن “بيكسار” كانت قد حققت نجاحات مبهرة مع أفلام مثل “توي ستوري”، “راتاتوي”، و”العائلة الخارقة”.
ورغم أن الاستحواذ على بيكسار أعاد لديزني بعضًا من بريقها، إلا أن تلك الفترة شهدت بداية التحول في فلسفة الشركة. حيث بدأت ديزني تعتمد على الاستحواذ على شركات ناجحة بدلًا من ابتكار محتوى جديد وجذاب من تلقاء نفسها.
استمرت في هذا المسار واستحوذت لاحقًا على شركة “مارفل” و”لوكاس فيلم”، مما عزز سيطرتها على صناعة الترفيه، لكنها في الوقت ذاته فقدت جزءًا من هويتها الأصلية كشركة متخصصة في محتوى الأطفال والعائلات.
بداية السقوط: التحولات الفكرية المثيرة للجدل
في عام 2014، حدث تحول جذري في سياسات ديزني عندما قررت أن تكون أكثر صراحة في دعم الأجندات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك تقديم محتوى يروج لحقوق المثليين والمثليات في أفلامها.
بدأت القصة بفيلم يعرض شخصيات مثلية، ولاقى هذا التحول رفضًا كبيرًا من الجمهور، وخاصة من الأهالي الذين كانوا يرون في ديزني ملاذًا آمنًا لأطفالهم.
استمرت ديزني في هذا الاتجاه، وأصدرت أفلامًا أخرى مثل “اونورد” و”لايت يير” التي تضمنت علاقات مثلية ضمن القصص. هذه الأفلام لم تنجح فقط في تحقيق إيرادات ضعيفة، بل تعرضت للحظر في العديد من الدول، وخاصة في الوطن العربي. ونتيجة لذلك، بدأت ديزني تفقد جمهورها التقليدي الذين لم يعودوا يرون في محتواها ما يناسبهم أو يناسب قيمهم العائلية.
اقرأ ايضاً تأثير الأنمي: من ثقافة يابانية محلية إلى ظاهرة عالمية
فيلم “سترينج وورلد”: الضربة القاضية؟
في عام 2022، أصدرت ديزني فيلمًا بعنوان “سترينج وورلد”، والذي يعتبر أول فيلم لهم يكون فيه البطل شابًا مثليًا. كانت القصة تركز بشكل كبير على علاقة هذا الشاب بشاب آخر، مما جعل الفيلم يفشل فشلًا ذريعًا في شباك التذاكر.
بلغت تقييمات الفيلم 5.7 فقط على المواقع المتخصصة، ولم يحقق سوى 3 ملايين دولار في إيرادات شباك التذاكر، وهو مبلغ ضئيل بالنسبة لإنتاجات ديزني.
هذا الفيلم لم يكن مجرد فشل مالي، بل كان مؤشرًا على أن ديزني لم تعد تعرف جمهورها. كانت تستمر في التركيز على أجندات فكرية بدلاً من تقديم قصص جذابة للعائلات والأطفال. وهذا الخطأ الفادح أدى إلى سلسلة من القرارات الكارثية الأخرى.
المواجهة مع القوانين والمجتمعات المحافظة
خلال هذه الفترة، تصاعد التوتر بين ديزني والمجتمعات المحافظة في الولايات المتحدة. ففي ولاية فلوريدا، تم تمرير قانون يمنع تعليم المواضيع الجنسية للأطفال تحت الصف الثالث، وكان القانون موجهًا بشكل خاص نحو منع الترويج للأفكار المتعلقة بالمثلية.
لكن ديزني، التي كانت تملك حضورًا قويًا في الولاية بوجود عالم ديزني، رفضت دعم هذا القانون، وأعلنت عن دعمها الكامل لحقوق مجتمع الميم.
هذا الموقف أدى إلى تدهور علاقتها مع جمهورها المحافظ، وبدأت حملات واسعة على الإنترنت تدعو إلى مقاطعة الشركة. وبدلاً من إعادة النظر في سياساتها، استمرت ديزني في إصرارها على دعم هذه الأجندات.
الدور المشبوه للمؤسسات الكبرى
جزء من مشكلة ديزني يكمن في الضغوط التي تمارس عليها من مؤسسات كبرى مثل “حملة حقوق الإنسان” (Human Rights Campaign) التي تدعم أجندات المساواة في الشركات، بما في ذلك دعم حقوق المثليين.
هذه المؤسسة تدير ما يعرف بـ “مؤشر المساواة المؤسسية” (CEI)، وهو نظام نقاط يحدد مدى دعم الشركات للمساواة وحقوق مجتمع الميم.
الشركات التي تحصل على نقاط عالية في هذا المؤشر تكون مفضلة لدى المستثمرين والشركات الكبرى، بينما الشركات التي ترفض الانصياع لهذه الأجندات تتعرض لخسائر مالية فادحة بسبب انسحاب المستثمرين والتأثير على سمعتها.
ديزني، التي حصلت على أعلى الدرجات في هذا المؤشر لسنوات، كانت ملتزمة بدعم تلك الأجندات بشكل كامل، على الرغم من تأثير ذلك على أرباحها وعلاقتها بجمهورها.
تدهور الأوضاع المالية: الفصل الأخير؟
في الربع الأخير من عام 2022، تكبدت ديزني خسائر بلغت 1.4 مليار دولار، وهي أكبر خسارة تتعرض لها الشركة في تاريخها الحديث.
أدى هذا التدهور المالي إلى اتخاذ قرارات صعبة، بما في ذلك فصل 7000 موظف في محاولة لتقليل التكاليف. ومع ذلك، يبدو أن هذه الإجراءات لن تكون كافية لإنقاذ الشركة من الإفلاس.
وفقًا للتقارير، يفكر المدير التنفيذي لشركة ديزني في بيع أجزاء من الشركة أو حتى بيعها بالكامل. هناك شائعات تشير إلى أن شركة “آبل” قد تكون مهتمة بشراء ديزني أو أجزاء منها.
هذه الأنباء تعكس حقيقة مُرة: ديزني التي كانت في يوم من الأيام قوة لا يستهان بها في صناعة الترفيه، أصبحت اليوم على شفا الهاوية.
السؤال الكبير: لماذا استمرت ديزني في هذا المسار؟
رغم كل الخسائر المالية والرفض الجماهيري، تستمر ديزني في دعم الأجندات المثيرة للجدل. السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: لماذا؟ لماذا لا تعود ديزني إلى ما كانت عليه من قبل، شركة تهتم بتقديم محتوى نظيف يناسب الأطفال والعائلات؟
الجواب قد يكون في السيطرة التي تمارسها المؤسسات الكبرى على شركات الترفيه، حيث تتحكم في توجيه الشركات الكبرى مثل ديزني نحو دعم أجندات معينة مقابل الحصول على استثمارات وتمويلات.
الشركات التي ترفض الانصياع لهذه الضغوط تتعرض للعقوبات، وهو ما يفسر استمرار ديزني في هذا المسار على الرغم من خسائرها.
النهاية الحتمية؟
شركة ديزني تواجه اليوم مستقبلًا غامضًا. الشركة التي كانت رمزًا للترفيه العائلي أصبحت اليوم عالقة بين أجندات سياسية ومشاكل مالية ضخمة.
السؤال الذي يبقى هو: هل يمكن لديزني أن تعيد اكتشاف نفسها وتعود إلى جذورها؟ أم أن النهاية قد اقتربت؟
الأمر الوحيد المؤكد هو أن ديزني لم تعد كما كانت، والجمهور لم يعد كما كان.
ما رأيك أنت؟ شاركنا رأيك في التعليقات!